مذكرات أسبوعية (3)
(خاطرة المطر) : (فمن يأتيكم بماء بمعين ) :
كانت نبتة غضة خضراء ، تتدلى أوراقها حتى تلامس شغاف الأرض ، ومع عجاف السنين شح عرقها حتى ذبل ، ثم تضايق نفسها حتى يبس ، ثم سقطت شهيدة الزمان والمكان.
بكى لفراقها الثقلين ، ونحب في وداعها بهائم شتى ، وبدأت سخطات الكون تسخط عصاة بني آدم ، و تيقظت جوارح الإنسان تنطق : اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا .
وتهزل بهماء عجماء ، ثم ترفع عينها إلى السماء ، فيرجع بصرها خاسئا وهو حسير.
ويطول عهد الانحباس ، فتفتقر القلوب من الإيمان ، وينقطع المطر من الأوطان .
ويقوم شيخ طاعن في السن ترتجف يداه ، بل قل : قلبه ، أشعث أغبر مدفوع بالأبواب ، يتقاطع صوته المتقطع مع مقاطعات الكون ، ويجهش في داخله جهش الطفل الرضيع ، ثم تسيح على خده المتعوج دمعة طال أمدها مع الله قائلا :
يالله …
فينادي مناد من السماء : ( ورحمتي وسعت كل شيء)
فيصيح برق بالإجابة ، وتبكي السماء بدموعها حتى تبلل خواشع الأرض ، فتشرب ما شاء الله أن تشرب ، وتبقي تواضعا ما بقي لآل الأرض كلهم .
وتحيا النبتة الغضة الخضراء .!!!!
أقبلوني ولو في ………….!
حدثنا الدكتور محمد الصامل ، وهو دكتور في قسم البلاغة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية و سأفرد له مبحثا في حرصه للعلم إن شاء الله ، قال :
جاءنا أحد طلاب الماجستير يطلب أن نتمم له عنوان بحثه ، وأن يوافق عليه من قبل مجلس القسم ، وكان البحث بعنوان : البلاغة في آيات الجنة والنار .
فبحث مجلس القسم العنوان ، فوجد أن أحدهم قد تقدم بطلب مثله ، وقد شرع في البحث .
فردت عليه الكلية أن البحث مطروق من قبل طالب آخر ، فكُسف حاله ، وتلاشت أحلامه ، وحاول بقدر ما عنده من قوة أن لا يُخيب ظنه .. فرفض القسم طلبه ..
ثم قال والألم يقطع قلبه :
أقبلوني ولو في النار .!!!!! ( يريد البلاغة في آيات النار )
موهبون تحت الدفان :
المتتبع لضعف ناشئة الأمة الإسلامية ، يرجع سبب ضعفهم ، إلى عدد من المؤثرات ، ومن المؤثرات التي لها حساسية شديدة في بناء الأمم : الاعتناء بالموهوب .
فالموهوب لا يجد مكان رحبا ينمي فيه مواهبه ، ولا يجد من يصقلها له حتى تبدو له كالشمس الساطعة ، ولا يحس بطعم الموهبة فضلا عن أن يزاولها بل يجد كل التحطيم الحسي والمعنوي ، فيبقى أسيرا لذاته وشهواته ، وقد يستفاد من تلك الموهبة في منحى الحرام ، والعياذ بالله ..
كنت مع طلابي أتفرس في حركاتهم ، ما ينبئني عن ما يمتلكون ، وهذه نعمة من الله منّ الله بها علي ، فأجد طالبا موهوبا بحسن الصوت ، وأجد طالبا موهوبا في الخطابة ، وأجد طالبا هادئا لكنه رساما ، وأجد طالبا مشاكسا لكنه بارع في الحساب
وأعرف أن هناك طلابا يملكون قامات عالية لو استنهضها مدرسوهم لكان جيل قيادة ، وجيل علم ، وجيل إنتاج ..ولكن ما يضيق علي الخناق ، الوقت الزمني للمدرسة ، والمواد المتتابعة ..
إنني أشعر بالحرج أن يخرج طالب من عندي وهو لا يحسن التصرف مع موهبته ، فحاولت أن أكون على تواصل من عرفتُ منهم ، فأعطيتهم وسيلة اتصال بي ، ولله الحمد والمنة هم يكبرون ، ويكبر علمهم ومواهبهم و فهمهم للحياة ..
استعادة الذكريات :
دخلت أحد مساجد الرياض أريد صلاة الظهر ، كان وقتا مناسبا ما بين الآذان والإقامة أن أقرأ شيئا من القرآن ، توقفت عند الآية ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ) نسأل الله أن نكون منهم ، توقفت بصوت الإمام للمؤذن : أقم .
توجه رجل طويل للمحراب ، وصف الصفوف ، ثم كبر وأتم الصلاة ، والتفت نحو المصلين ..
شرع الناس في الذكر بعد الصلاة ، وبدأت ألاحظ الإمام ، وأتفحص وجه ..!!
ياإلهي إنه أستاذ قديم ، أذكر أنه درسني ..
عزمت على السلام عليه ، عرفته بنفسي فلم يعرفني ، ويعذر في ذلك : لطول العهد ، ولتغير السن ، إذ كنت أنذاك في المتوسط .
سألني : أين أنت الآن ؟
فأخبرته أنني عازم على إنهاء الماجستير ، تفجرت من داخله أسارير تحمد الله ..
نظرت في وجهه فوجدته : جذلا يعانق التباشير ، ويسأل الله الإخلاص ..
تكشفت ذلك في حالي مع الطلاب ، عندما أخبرني أحد الطلاب أن طالبا من طلابي التزم طريق الهداية …فالحمد لله بنعمته تتم الصالحات .
06 يونيو 2010 في الساعة 12:53 ص
ماشاءالله تبارك الله ..
نقاط جميلة تطرقت لها ،
لا سيما نقطة الاهتمام بالمواهب .. فنحن كـ طلبة ، نعاني كثيراً من قمع ما بداوخلنا من اكثر من جهة ، و لكن في داخلنا شيء ما يقول : تقدم و تقدّم ..
مدونة رائعة ماشاءالله ..
اضفتها للمفضلة .. و وفقكم الله في جميع شؤونكم و رزقكم سعادة الدارين ..
06 يونيو 2010 في الساعة 5:37 ص
ولك شكري وتقديري ، وأشكرك على حسن ظنك بي .
يحتاج كل معلم أن يربي قبل أن يعلم ، ومن التربية الجادة ، اكتشاف الموهبة ، ولكن ضعف الخبرة التربوية يفقدنا كثيرا من العظماء
06 يونيو 2010 في الساعة 1:57 م
مقتطفات جميلة تحمل في طياتها الكثير وخصوصا من يأتيكم بماء معين والموهوبين فعلا فالماء واحياء الارض وصفه الله تعالى بحياء الموتى وايضا احياء القلوب عندما يريد الله الهداية للانسان فينزل على قلبه نورا فيحيا قلبه كما تحيا الارض الميتة
فنسأل الله الهدية والثبات على الحق انه ولي ذلك والقادر عليه
والموهوبين ايضا مقالك جميل
سلمت
06 يونيو 2010 في الساعة 8:59 م
أشكرك أخي على ملاحظتك التي تدل على رقي فكرك
تحياتي